[color=red]الشيخ الدكتور محمد موسى نصر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللهمن شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي لهوأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكله،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد:
هذه المحاضرة الأولى من محاضرات علوم القرآن لهذه الدورة التأسيسية للعلوم الشرعية وقد وقع اختياري على مقدمة الشيخ -عبد الرحمن بن قاسم النجدي الحنبلي- الذي سماها " مقدمة في التفسير" والأصوب "مقدمة في علوم القرآن"؛ إلا أننا نعتذر للشيخ أن تسميته لها مقدمة في التفسير، أن المفسّر لا بد له من معرفة بمسائل وقضايا علوم القرآن, فلا يكون المفسر مفسرا إلا إذا عرف أسباب النزول, والناسخ والمنسوخ, والمحكم والمتشابه, وغريب القرآن وقراءاته, ومكيه ومدنيه, وغير ذلك, وإلا الأصح والأدق تسمى مقدمة في علوم القرآن
والشيخ -عبد الرحمن بن قاسم النجدي- عالم وعلامة وهو من علماء القرن الماضي، توفي في أواخر القرن الماضي في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة وألف للهجرة.
ومن أفضل أعماله الجليلة التي تسجّل له وتكتب له - نسأل الله أن يجعلها في صحائف أعماله-، ما قام به من جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-. فكان سبب- بعد الله- في نشر علم شيخ الإسلام ابن تيمية وخصوصا فتاواه التي جمعت في سبعة وثلاثين مجلدا، وخمسة وثلاثين مجلد، ومجلدين فهارس؛ كذلك جمع فتاوى علماء نجد سماه "الدرر السنية" ،وله شروح وحواشي على علوم شتى وقد أفرد حفيده -عبد المالك القاسم- ترجمة حافلة له في مجلد مطبوع.
إذن هذه المقدمة يعني مقدمة لطيفة, ومن أسباب اختيارنا لها أن جامعها الشيخ عبد الرحمن- رحمه الله- أثبت فيها عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن وبيّن انحراف أهل الأهواء والبدع وما زلّوا فيه وما ضلّوا في مسألة القرآن.
وقبل أن نبدأ في هذا المتن نبيّن أهمية تعلّم علوم القرآن، وأن علوم القرآن إن لم تكن هي أهم العلوم فهي من أهم العلوم, فلا ترسخ قدم طالب العلم في فهم كتاب الله إلا إذا علم وفقه وأحاط علما بعلوم القرآن ، وهي كثيرة زادت على ثلاث مائة علم.
فمن يعني فضائل وأهمية تعلّم علوم القرآن أنها تعين الدارس على فهم كتاب الله, ومعرفة مراد الله من كلامه، كذلك أنها تمكّن الدارس من دحض مفتريات أعداء الإسلام، وتفنيد مزاعمهم, فإن أعداء الإسلام ما فتئوا يطعنون بالقرآن, ويثيرون الشبهات حول كتاب الله، حول قراءاته، حول ناسخه ومنسوخه, حول أسباب نزوله حول كثير من القضايا المتعلقة بعلوم القرآن, وخصوصا هؤلاء المستشرقين قاتلهم الله, فإنهم يثيرون الشبهات حول الوحي، الشبهات حول القراءات وغير ذلك؛ وقد تصدى وانبرى للرد عليهم أكثر من عالم, فضلا عن ما دسوا من إسرائيليات من أحاديث موضوعات نسبوها إلى القرآن، والقرآن منها براء, وردّ عليهم رشيد رضا في " الوحي المحمدي", وردّ عليهم شيخنا عبد الفتاح القاضي في" دحض مفتريات المستشرقين حول القراءات " وغيرهما.
كذلك يتعرّف الدارس لعلوم القرآن على مبدأ نزوله, وكيفية نزوله ومدته، ويقف على نواحي إعجازه، وعلى ناسخه ومنسوخه، ومعرفة مكيه ومدنيّه, ومحكمه ومتشابهه وغير ذلك.
كما أن هذا العلم يورث تهذيب النفس، يورث دارسيه تهذيب النفس, وتزكية نفوسهم, وإصلاحها وذلك لتعلقه بخير كلام وبأفضل كتاب.
ولا نخفى قول الله عز وجل: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}
كما يعين على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة على حد سواء، إذ هما من مشكاة واحدة فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم-:<< لقد أوتيت القرآن ومثله معه>> ولا يمكن فهم القرآن في منأى عن السنة, فالسنة مبيّنة ومفصّلة وشارحة ومفسرة لكتاب الله :{ وأنزلنا إليك الذكرى لتبين للناس ما نزل إليهم}.
أما هذه المقدمة فنشرع فيها -مستعنين بالله عز وجل- ونقف عند بعض الفقرات والجمل بشيء من الإيضاح والبيان.
مقدمة: تقرأ بوجهين مقدمِة, ومقدَمة
فإذا قرأت بالفتح مقدمَة فيكون معناه أنها تقدم على غيرها من الكلام، وإن قرأت بالكسر مقدِمة فيكون معناه على أنها تتقدم غيرها من الكلام.
يقول الشيخ -يرحمه الله-:<< بسم الله الرحمن الرحيم>>.
البسملة : يفتتح بها الرسائل والكتب.
والحمدلة أو الحمد: يفتتح بها في الخطب, وهكذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يبدأ يعني كتبه بالبسملة:<< بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلان عظيم الروم أو كذا....>>.
أما الخطب فكان النبي-عليه الصلاة والسلام- يبدأ بخطبة الحاجة<< إن الحمد لله>>.
والبسملة من بسم الله، وبِسم : جار ومجرور, ومتعلّقها يقدّر إما اسما فيكون التقدير ابتدائي (بسم الله الرحمن الرحيم).
وإما أن يكون المقدّر فعلاً، ويكون المعنى: ابتدأ بسم الله.
وعلى المعنى الأول: يعني على أنه اسم, يقدّر اسماً قوله تعالى: {بسم الله مجريها ومرساها}.
وعلى المعنى الثاني: تقدير الفعل فيكون كنحو قوله تعالى, أو كمثل قوله تعالى:
{اقرأ بسم ربك الذي خلق}.
والاسم مشتق من السمو أو مشتق من السمة وهي العلامة, إذاً هذا معنى (بسم)
(الله): لفظ الجلالة اسم لله خاصة لا يتسمى به غيره، لكن العلماء اختلفوا هل هذا الاسم جامد أم مشتق ، هل له اشتقاق, يعني من ماذا اشتق؟
هذا خلاف أهل العلم, والصحيح أنه مشتق من أله يأله, وأله ويأله بمعنى خضع وذل, ومنه توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة, أو توحيد الله بأفعال العباد, وغيره من الأسماء تابع له.
فمثلا (الرحمن) أيضا اسم انفرد الله به لا يتسمى به غيره, لكن تابع لـ: الله, فلا تقول الرحمن الله, وإنما تقول الله الرحمن
أما (الرحمن): فهو ذو الرحمة الواسعة، رحمن صيغة مبالغة على وزن فعلان,
فالرحمن ذو الرحمة الواسعة.
و(الرحيم): موصل رحمته لمن شاء من عباده, وكلاهما (الرحمن الرحيم) يدلان على اتصاف الله جلا جلاله بالرحمة.
ثم شرع في خطبة الكتاب فقال: (الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى للمتقين).
(الحمد لله) : الإخبار عن الله بالكمال في صفاته وأسمائه وأفعاله مع المحبة والتعظيم, فإن كرّر هذا الإخبار سمي ثناء.
والتحميد أعلى من الحمد، و(الألف واللام) الحمد للاستغراق, يعني استغراق جميع صنوف المحامد, فالله -جلا جلاله- المستحق وحده لجميع صنوف المحامد.
ومن أسماء الله تعالى (الحميد).
قوله:(الذي أنزل الكتاب): قال الله تعالى:{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}.
يرد في كتاب الله (أنزل ونزّل), هل هناك ثمة فرق بين (أنزل ونزّل)؟.
طبعا وردت نصوص في ذلك قرآنية منها قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل }.
وأيضا ورد قوله تعالى: { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب}.
وورد قوله تعالى: { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به روح الأمين}.
فهل هناك ثمة فرق بين أنزل ونزّل؟.
الجواب: نعم, هذا يدل على وجود فرق بين هذين اللفظين, وأرجح ما ورد في معنى الفرق، أن (أنزل) لما تم إنزاله واستقر ولم يبقى منه شيء, هذه اللفظة تستخدم لما تم إنزاله، ولم يبقى منه شيء.
وأما (نَزّل): لما كان مستمرا إنزاله, فما استمر إنزاله يقال فيه نَزّل, وما كمل إنزاله، يقال فيه أنزل .
قوله(تبيانا): أي بياناً وتوضيحاً, إن الله- عز وجل- أنزل هذا الكتاب الذي هو القرآن ، وهذا من أسماء القرآن ، للقرآن أسماء كثيرة:
(الكتاب) قال الله تعالى: {آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه}.