القاعدة الأولى: أن الدين مبني على أصلين عظيمين :
الأول ( الإخلاص ) لقوله تعالى:{ ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم .
الثاني ( متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ) بأن يكون العمل موافقاً لما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم.
القاعدة الثانية: أن الدعوة والعبادة الصحيحتين لا تقومان ولا تؤخذان إلا من القرآن وصحيح السنة والأثر، لقوله تعالى:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء } .
القاعدة الثالثة: أن أهل السنة والجماعة لا يستقلون بفهم القرآن عن السنة، لقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }، وقوله: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }.
القاعدة الرابعة: أنهم لا يستقلون بفهم الكتاب والسنة عن فهم السلف الصالح، لقوله تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً }، ولقوله: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان }، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ) الحديث، متفق عليه.
القاعدة الخامسة: أنهم أول ما يدعون إليه التوحيد؛ فلا تصلح عبادة ولا دعوة إلا به، لقوله تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ) الحديث، رواه البخاري ومسلم.
القاعدة السادسة: أنهم أول ما يبدؤون دعوتهم، بدعوتهم بما بدأ به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيقدمون ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤخرون ما أخره الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد لقوله تعالى:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.
القاعدة السابعة: أنهم يعظمون جميع أمور الدين، فيدعون إلى جميع ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قدر استطاعتهم، لقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة }.
القاعدة الثامنة: أنهم لا يعارضون النصوص بعقولهم ولا بآرائهم ولا بأذواقهم ولا بقول رجال مثلهم، لقوله تعالى:{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب }، وقوله:{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }.
القاعدة التاسعة: أن ظهور المسلمين وصلاح أحوالهم مربوط بأمرين: وهما العلم النافع والعمل الصالح، لقوله تعالى:{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } الآية، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ عَزّ وَجَلّ مِنَ الْهُدَىَ وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً. فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيّبةٌ. قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ. فَنَفَعَ اللّهُ بِهَا النّاسَ. فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا. وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَىَ. إِنّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً. وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللّهِ الّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ).
القاعدة العاشرة: أنهم يعتقدون أن الجماعة أصل من أصول دينهم، لقول الله تعالى:{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }، قال ابن مسعود في تفسير الآية:" حبل الله الجماعة " رواه ابن جرير.
القاعدة الحادية عشرة: أنهم يعتقدون أن أعظم أسباب الافتراق هو تشيع وتحزب المسلمين إلى طائفة أو جماعة أو شخص غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، لقوله تعالى:{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء }.
القاعدة الثانية عشرة: أنهم يعتقدون أن البيعة لا تكون إلا لإمام مسلم بايعه أهل الحل والعقد، لقوله تعالى:{ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله ) رواه البخاري ومسلم.
القاعدة الثالثة عشرة: أنهم لا يَدْعُون إلى الخروج على الولاة الظلمة والفسقة، بل يَذمّون ذلك ويذمون على من خرج على الولاة ديناً ودنيا، لقوله تعالى:{ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع ) قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف. قال: ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم.
القاعدة الرابعة عشرة: أنهم يسعون في النصح لولاة الأمر وفق ما جاء في السنة الصحيحة، فعن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الدين النصيحة ) . قلنا: لمن يا رسول الله . قال: ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) راوه مسلم. وعن أنس قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب ) رواه ابن أبي عاصم بسند صحيح .
القاعدة الخامسة عشرة: أن دعوتهم ظاهرة للناس جميعا لا سرية فيها ولا تخصيص، عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أوصني. قال: ( اعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت، واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية وإياك والسر ) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند صحيح، وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتُنصرون بضعفائكم ) رواه البخاري ومسلم.
القاعدة السادسة عشرة: أنهم يعتقدون أن التمكين في الأرض منحة من الله سبحانه وتعالى يمنحها لمن قام بما أوجب الله عليه من العلم النافع والعمل الصالح، وقوله تعالى:{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية، فاشترط للتمكين والأمن تحقيق التوحيد وموافقة الشرع، وقوله تعالى:{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر }، فالخلافة الراشدة لا يمكن وقوعها في المسلمين إلا بمنهج الخلافة الراشدة الأولى، القائم على المنهج النبوي.
القاعدة السابعة عشرة: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالعلم والرفق والصبر بقصد الإصلاح، وقول الله تعالى:{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم.